تقضي الشركات وقتًا كبيرًا في صناعة محتوى تنشره في مواقعها الإلكترونية بُغية زيادة أرباحها وتسهيل عملية توطين موقعها الإلكتروني، وتطبيق أساليب تحسين محرّك البحث على غوغل قد يتطلب بذل جهود كبيرة، ما يؤدي إلى شعورك بالإحباط عندما ترى أن إستراتيجيات تسويق المحتوى لم تثمر عن تحقيق المبيعات التي تطمح إليها، خاصة عند محاولة دخول أسواق جديدة. من هنا، لا بد أن تسأل نفسك أولاً: إذا ما كان الجمهور المستهدف قادر على فهم المحتوى الذي تقدمه له في موقعك الإلكتروني أم ينبغي عليك أن تقدم له محتوى خاص بلغته أو لهجته المحلية لتتأكد من أنك تُفكر بنفس طريقته. لم يكن بمقدور الشركات العالمية مثل Airbnb تحقيق إيرادات كبيرة من الأسواق العالمية، لولا الكفاءة العالية التي أبدتها في توطين الموقع الإلكتروني، فالمستهلكون على استعداد لشراء المنتجات أو الدفع مقابل الحصول على خدمات تستخدم ملصقات وتوصيفات تنطبق مع لغتهم التي يتحدثون بها.
يُعنى توطين الموقع بتقديم محتوى صفحة الويب على اختلاف عناصره (من الوسائط المتعددة والنصوص والصور) باللغة المحلية للجمهور المستهدف. تضمن مثل هذه العملية أن جميع زوّار الموقع سواء كانوا يتحدثون باللغة الصينية أو الإنجليزية سيطلعون على محتوى مماثل متجاوزين عائق اللغة والثقافة إلى جانب التمتع بتجربة عملاء جيدة، بلا شك. فعلى سبيل المثال، يحتفل الأمريكيون بإجازة عيد الشكر والكريسماس في شهر ديسمبر، بينما يحتفل الصينيون برأس السنة الصينية في الفترة ما بين شهري يناير وفبراير. يعني هذا أن نشر المحتوى نفسه في كلا الدولتين في الشهرين الأول والأخير من السنة، لن يكون مُجدٍ اقتصاديًا إذا لم يصاحبه اتباع أساليب فعّالة في توطين الموقع. إذ لن يتمكن أكثر من نصف الجمهور المستهدف في جميع أنحاء العالم فهم مرادك.
لا يتجاوز من يفهم اللغة الإنجليزية المكتوبة ما نسبته 30 بالمائة من سكان العالم. في المقابل، تجاوز عدد من يستخدمون الإنترنت في العالم 4 مليارات نسمة في السنة الماضية، ومن بينهم مليار ونصف مستخدم على الأقل من دول غير ناطقة باللغة الإنجليزية مثل الهند والصين. وعليه، فلا يمكنك إجراء حملة إعلامية قوية عالميًا دون الاستعانة بخبراء في توطين الموقع يمكنك الاعتماد عليهم حقًا.
يؤدي توطين الموقع الإلكتروني إلى زيادة نسبة ظهورك في محركات البحث، وبالتالي تعزيز حجم المبيعات. فعندما يشاهد عملاؤك المحتملون من مختلف أنحاء العالم الموقع الإلكتروني لمؤسستك، ويجدون أن المعلومات التي تعرضها عن منتجك مفيدة، سيبادرون بطلب شراء. في المقابل، قد تنخفض المبيعات كثيرًا في حال لم يراعِ فريق التسويق المعتقدات واللغة والعادات الثقافية المحلية للجمهور المستهدف عند توطين الموقع. ناهيك عن أن تقديم صورة واضحة للعميل تحول دون اضطراره لزيارة الموقع الإلكتروني عدة مرات أو محاولة التحدث مع مسؤولي المبيعات للاستفسار أكثر، ما يعني كسب الوقت وتقليل الفترة الزمنية ما بين أول تفاعل للمستهلك مع العلامة التجارية وعملية الشراء.
إحدى إستراتيجيات توطين الموقع التي يحث الخبراء في المجال الشركات على اعتمادها تتمثل في تعزيز تجربة المستخدم من خلال ترجمة علامات تعريف البيانات الوصفية أو ما يعرف بـ meta tags والكلمات المفتاحية فضلاً عن الاستفادة من أدوات مثل تحليلات غوغل Google Analytics في فهم طبيعة زوّار الموقع وخلفيتهم، إذ تُظهر لك مثل هذه الأدوات أين يعيش معظم زوّار الموقع وبالتالي تتشكل لديك صورة أوضح للأبعاد والتأثيرات الثقافية (مثل اللغة والعوامل الديناميكية الاجتماعية)، ويساعدك هذا بدوره في تصميم بيانات التعريف الوصفية بما ينسجم مع حاجاتهم الاستهلاكية. ولكن كيف يمكننا النجاح في توطين الموقع الإلكتروني للشركات والمؤسسات؟ هذا ما سنتعرف إليه خطوة بخطوة.
خطوات توطين الموقع الإلكتروني
1. تقييم الاستثمار
لا تتعجل في الاستثمار بأي فرصة أمامك، بل تريّث وادرس كيف يمكنها أن تعزز النتائج المرجوة بالنسبة لك. إذ لا يمكنك أن تتوسع في الأسواق العالمية وتنجح في ذلك، إذا لم تقم بدراسة السوق جيدًا؛ فهي الطريقة المثلى لجمع معلومات بشأن حجم الطلب والتشريعات والقوانين المحلية والعادات الثقافية. تذكر، لن تساعدك المعلومات العامة في التوصل إلى أفضل نموذج أعمال يناسب المنطقة المستهدفة، فلا بد من أن تفهم جيدًا سمات المستهلك المحتمل وتطوّع أدوات التسويق والتوطين في مخاطبته وجذب اهتمامه. يعتمد إنتاج نسخة محلية جيدة من الموقع الإلكتروني لمؤسستك على عدة عوامل منها مراعاة اختلاف الأذواق والمنافسة والكلمات المستخدمة وأسلوب الخطاب المستخدم. في الحقيقة، يعتمد العائد على الاستثمار على جودة العمل في هذه المرحلة.
2. نطاق المشروع
يختلف التوطين عن الترجمة. تُشير الترجمة إلى تحويل الكلمات والتعابير من اللغة الأصلية إلى لغة أخرى دون تغيير المعنى، أما التوطين، في المقابل، فهو عملية شاملة تتضمن التركيز على عناصر أخرى غير مقترنة بالنص إلى جانب الأبعاد الثقافية والعناصر اللُغوية من أجل تطويع ومواءمة هُوية العلامة التجارية بما ينسجم مع الموقع الجغرافي للجمهور المستهدف. ولا بد من التأكد من تحديد النطاق الكلي لأهداف توطين الموقع الإلكتروني وتهيئة المطورين والمترجمين وإعدادهم للتعامل مع أي تحديات يمكن أن تواجههم عند التطبيق.
3. عولمة المنصة
تتمثل عولمة الموقع الإلكتروني في عملية إعداد الموقع الأصلي بعدة لغات. تُسرع هذه العملية خطوات توطين المحتوى من خلال تسهيل عمل صانعي المحتوى والمترجمين فيما يتعلق بنشر النصوص والصور بمجرد الانتهاء من الترجمة ومواءمة النص مع السياق المحلي. تتضمن العملية مهام بسيطة مثل التصميم وتحديد عدد الصور التي ستُستخدم أو المساحة اللازمة للنص المترجم، هل هي أكبر أم أقل من المساحة التي يشغلها النص المكتوب باللغة الأصلية. يقع العبء الأكبر في هذه العملية على المبرمجين، إذ ينبغي عليهم تحقيق متطلبات الترميز الخاصة بالبنية التحتية للموقع الإلكتروني بما يجعل الموقع الإلكتروني أكثر مواءمة مع لغة الدولة المستهدفة. فعلى سبيل المثال، يستخدم المطورون وسم يُعرف باسم Herflang لتعريف محركات البحث باللغة المستخدمة في الموقع الإلكتروني.
4. تصميم خاص بالجمهور المستهدف
عند الوصول إلى مرحلة إعداد تصميم جديد للموقع الإلكتروني، تذكر أن تأخذ بعين الاعتبار تجربة العملاء من الجمهور المستهدف، أو بعبارة أخرى أن تنظر إلى الموقع بأعينهم. فعلى سبيل المثال، تُكتب اللغة العربية من اليمن إلى اليسار على خلاف كلٍ من اللغتين الإنجليزية والفرنسية، في حين تمتد حروف اللغتين الكورية واليابانية في أسطر رأسية. سيؤثر على معايير التصميم بلا شك. أضف إلى ذلك، أن النص المترجم من الإنجليزية إلى الإيطالية يحتاج إلى مساحة أكبر نظرًا لاحتوائه على عدد حروف أكثر من تلك المستخدمة في النص الأصلي. لذا لا بد من استخدام مخطط تنسيق مرن في وقت مبكر. هذا ما أدركته علامات تجارية شهيرة مثل لوي فويتون Louis Vuitton التي أعدت نموذجًا عامًا يتناسب مع العملاء من مختلف أنحاء العالم باعتماد تصاميم معاصرة تتسم بالبساطة ولا تأخذ حيزًا كبيرًا. ولضمان تقديم تجربة عملاء عالية المستوى، لا تنسى أن الموقع الإلكتروني ينبغي أن يكون مناسبًا للعرض على الهاتف الذكي، لأن العديد من المستخدمين سيزورون الموقع من خلال هواتفهم الذكية.
5. الترجمة
إن لم تنجح في هذه المرحلة، فاعلم أن كل الجهود المبذولة في الترميز والبرمجة لتقديم أفضل صور ممكنة قد ذهبت سُدى. استعن بمترجمين يتحدثون باللغة الأم للجمهور المستهدف، فهم على دراية بالأساليب اللُغوية التي تُحفز الجمهور المستهدف وتجذبه. احرص على أن يكون للنصوص المترجمة معنىً وسحرًا مماثلاً لما يقدمه المحتوى الأصلي، وإلا فسيفقد المحتوى جزءًا كبيرًا من قيمته. لتحقيق ذلك، لا تطلب من فريق المترجمين ترجمة المحتوى كلمة كلمة، بل يمكنك أن تضع بين أيديهم قائمة بالكلمات المفتاحية وتطلق العنان لمهاراتهم في الترجمة الإبداعية لينتهي الأمر بتقديم محتوى استثنائي. ولتيسير عملية توطين الموقع، يمكن الاستعانة ببرمجيات إدارة الترجمة في التقليل من الوقت الذي يستغرقه المترجمون في إنجاز مهام تتعلق بمحتوى مكرر.
6. إستراتيجية تحسين محرك البحث
يعتمد نجاح موقعك الإلكتروني باللغة الأصلية والنسخة الناتجة عن التوطين على فهم لعبة تحسين محرك البحث وإتقانها. ولا يقتصر الأمر على ترجمة الكلمات المفتاحية من اللغة الأصلية إلى لغة أخرى، إذ ينبغي أن تتذكر تأثير اللغة والثقافة على الكلمات التي يستخدمها الأفراد عند البحث على الإنترنت. إن الاستعانة بخبراء تسويق محليين يتحدثون لغة الجمهور المستهدف عند توطين الموقع، من شأنه أن يمكنك من تحقيق أفضل قيمة من الأموال التي تنفقها، نظرًا لقدرتهم على التركيز على الكلمات المفتاحية والتعابير التي يستخدمها الأفراد عادة عند البحث. كما أن الروابط الخارجية التي تشير إلى موقعك الإلكتروني ستختلف من دولة إلى أخرى نظرًا لاختلاف اللغة.
علاوة على ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن محرك البحث غوغل لا يحظى بالانتشار نفسه في جميع الدول. ففي الصين وروسيا مثلاً يشيع استخدام محركي البحث بايدو وياندكس، في حين يستخدم آخرون ياهو وبينغ! لذلك، من المهم تحسين الموقع الإلكتروني بما يتواءم مع محرك البحث المفضل للجمهور المستهدف.
7. اختيار الصور المناسبة
هناك عاملان يؤثران على القدرة على اختيار الصور المناسبة لتحقيق غايات توطين الموقع الإلكتروني؛ النصوص المقترنة بالصورة وما يظهر في الصورة. ينبغي تطويع النصوص الخاصة بالصور بما يتناسب مع اللغة والثقافة المحلية مع مراعاة ألا يكسر أي عنصر منها القيود الثقافية للجمهور. إن إغفال هذين الأمرين من شأنه أن يجعل للصور ردة فعلٍ سلبية تؤدي إلى خسارة مستهلكين جدد نظرًا لنفورهم من الصورة التي قدمتها عن منتجاتك. احرص دومًا على الابتعاد عن تضمين رموز دينية أو صور حيوانات أو مبانٍ في الصورة الرمزية والشعار اللذين يمثلان علاماتك التجارية.
8. مراجعة القوانين واللوائح المحلية
تختلف القوانين التي تحكم وتنظم التجارة الإلكترونية والمعاملات المالية الدولية بين الدول المختلفة. إن الفهم الجيد للأمور المسموحة وغير المسموحة في منطقة محددة من شأنه أن يُمكنك من اعتماد إستراتيجيات توطين الموقع المناسبة وتوفير أموال طائلة كان من الممكن أن تدفعها كغرامات وفي استثمارات غير مناسبة. قد لا ترقى بعض المخالفات إلى حد التجريم، فمثلاً، يُعد لحم الخنزير من اللحوم المحرمة لدى المسلمين وأكله خطيئة، لذا ينبغي أن تقدم لهم منتجات لا تحتوي على أي عنصر مستخرج من الخنزير سواء من لحمه أو عظامه أو زيوت أو حتى من جلده.
9. السرعة المُثلى للموقع الإلكتروني
تتباين سرعات تحميل ورفع الملفات في المناطق المختلفة. غالبًا ما نجد أن سرعة الإنترنت أقل في الدول غير المتقدمة مقارنة مع الدول المتقدمة، لذا ينبغي مراعاة هذه الفروقات أثناء عملية توطين الموقع. وعليه، احرص على ألا يكون محتوى الموقع الإلكتروني كبيرًا جدًا في المناطق التي تشهد اتصالاً بطيئًا بشبكة الإنترنت وسرعات واي-فاي غير كافية. استبدل كافة الملفات كبيرة الحجم بنسخ مضغوطة وتقيّد بتوفير جميع البيانات بصيغة HTML للحفاظ على تقديم تجربة عملاء بجودة عالية. ويضرب لنا تطبيق الاستماع إلى الموسيقى Boomplay مثلاً جيدًا في هذا الأمر، إذ يستهدف العملاء من إفريقيا الذين يرفعون الملفات بأحجام صغيرة تصل إلى 2 كيلو بايت للتقليل من سرعات التحميل.
10. الاختبار
ينبغي اختبار الموقع الإلكتروني قبل إطلاقه رسميًا، وإلا فقد تخسر فرصتك في الحصول على انطباع جيد من أول مرة وجني ثمار توطين الموقع. يُعد إخضاع الموقع الإلكتروني لاختبارات مكثفة قبل طرحه للجماهير أمر في غاية الأهمية خاصة إذا ما تمكنت من تكليف خبراء باللغة المحلية بالأمر. تتضمن عملية اختبار نجاح توطين الموقع التحقق من مدى مناسبة الصورة والروابط التشعبية والتصفح باستخدام سلة التسوق وتحديث الملحق الإضافي وخوارزمية التشفير وحقول الإدخال ومدى ملاءمة الأجهزة المستخدمة وسلامة التصميم وزمن التحميل. أما من الناحية اللُغوية، فينبغي التحقق من استخدام الكلمات المفتاحية على نحو صحيح وعدم وجود أخطاء في القواعد والإملاء وقابلية النص للقراءة وخلوه من جمل غير مترجمة أو أي تعدٍ على العادات الثقافية أو المعتقدات.
استعن بتوطين الموقع لفتح آفاق جديدة
إن التهاون بعمليات توطين الموقع وعدم الاستعانة بفريق استثنائي، من شأنه أن يحكم على طموحاتك في الارتقاء نحو العالمية بالفشل. ويجب ألا تنظر إلى الترجمة كإستراتيجية توطين يمكن اللجوء إليها وحدها، بل يلزمك استخدام المزيج المناسب من الصور وبيانات التعريف الوصفية مع الاستعانة بخبراء تسويق محليين على دراية بالتفاصيل الدقيقة وخفايا اللُغة التي تساعدك من النجاح في مخاطبة الجمهور المستهدف بالتسويق عبر أنحاء المعمورة ومحاكاة اهتماماته.