المرأة العربية تستعيد مكانتها من خلال الترجمة

المرأة العربية تستعيد مكانتها من خلال الترجمة
وفقًا لصندوق النقد الدولي، يحقق تضييق الفجوة بين الجنسين في سوق العمل مزايا اقتصادية عديدة مثل ارتفاع الإنتاجية والناتج المحلي الإجمالي في بعض البلدان.

في عام 1799 م، كشفت قطعة من الحجر بطول 114 سم وعرض 72 سم عن سر ترجمة واحدة من أعظم الحضارات القديمة. بفضل حجر رشيد، تمكنت البشرية الحديثة من الكشف عن أسرار الحضارة المصرية القديمة، التي ظلت مجهولة على مدار 3000 عام بعد اندثار اللغة المصرية القديمة. يعتبر حجر رشيد مثالًا بسيطًا، لكنه قوي، على دور اللغات في الحفاظ على هويتنا الإنسانية الجماعية.

فالآن، بعد أكثر من مائتي عام، ومع ازدياد عدد المواطنين العالميين والأعمال العابرة للقارات، ومع انتشار الإنترنت، جذبت الترجمة والخدمات اللغوية اهتمامًا غير مسبوق. وخلال فترة السنوات العشر من 2009 حتى 2019، تضاعف حجم قطاع الخدمات اللغوية العالمية من 23.5 إلى 49.6 مليار دولار أمريكي

«غير أننا عندما نجد أن المرأة تشكل ما لا يزيد عن 20% من قوة العمل في الشرق الأوسط، فإن هناك مخاوف من ضياع أمور أخرى خلاف المعنى في الترجمة”

لا تعتبر الترجمة مجرد عملية اختيار المعنى المكافئ للكلمة المكتوبة أو المنطوقة بلغة أجنبية، فالترجمة هي فن يحتاج إلى ربط عميق بالخبرة البشرية والكلمة واللغة المشتركة التي تشهد تغيرًا مستمرًا، كما أنها تتبنى موقفًا وتقرّب الثقافات مع بعضها.

امرأة تعبر الطريق في عمّان (المصدر: شاترستوك)

غير أنه في الوقت الذي لا تشكل فيه المرأة أكثر من 20% من قوة العمل في الشرق الأوسط، هناك مخاوف من ضياع المعنى في الترجمة، وكذلك منظور النسوية للتجربة البشرية.

وفقًا لصندوق النقد الدولي، يحقق تضييق الفجوة بين الجنسين في سوق العمل مزايا اقتصادية عديدة مثل ارتفاع الإنتاجية والناتج المحلي الإجمالي في بعض البلدان. ومع ذلك، لابد من مراعاة حقيقة أن التغيير مسار صعب يجب التعامل معه بحذر، خاصةً في المناطق التي يقتصر فيها نجاح المرأة على دورها كربة منزل وأم، وفقًا للدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين التي أُعدت بالتنسيق مع منظمة “بروموندو” Promundo وهيئة الأمم المتحدة للمرأة UN Women.

امرأة عربية تنظر إلى البحر المتوسط (المصدر: شاترستوك)The First Ripple

في عام 2007، قررت نور الحسن إحداث تغيير في السوق حينما لاحظت فجوة في السوق، تمثلت في صعوبة في الحصول على خدمات ترجمة جيدة في المنطقة (أثناء عملها لدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية)، مما دفعها إلى تأسيس شركتها الخاصة “ترجمة”.

بدأت نور عملها من المنزل، واستعانت برجاء عبد العزيز – أول عضو في فريق ”ترجمة“ – لتطوير العمل ببطء من خلال عملهما من منزليهما، لسد هذه الفجوة في السوق، لا سيما أن الشركة لم تكن بحاجة إلى مقر في تلك الفترة.

فريق ”ترجمة“ أمام مقر الشركة في حي دبي للتصميم.

وتقول نور “نحن [في ترجمة] نمنحهن المرونة بحيث يعملن من المنزل لتحقيق الدخل، دون الحاجة إلى التواجد في المكتب”.

ومع اتساع نطاق العمل، وإطلاق ”ترجمة“ أعمالها في دولة الإمارات، بدأ فريقها النسائي الصغير بالنمو ببطء بفضل النموذج المرن الذي سمح لهذا الفريق والمزيد من العضوات الجدد بالعمل من المنزل. وتسارعت الوتيرة أكثر، إذ وجدت نور في شركتها شبكة متكاملة من النساء، ممن يتمتعن بمواهب استثنائية لم تحظَ بالتقدير الكافي، على استعداد لتحدي الأعراف التقليدية والتعاون معها في مبادرتها، وكان عليها أن تضع الإطار المناسب لاستغلال طاقاتهن.

وتقول نور ”نحن [في ترجمة] نمنحهن المرونة بحيث يشاركن في سوق العمل ويكون لهن دخلهن الخاص من المنزل ودون الحاجة إلى الالتزام بالعمل من المكتب“. وتضيف: بدأت شبكتنا بالنمو بشكل تدريجي، إذ ”تحدثت كل سيدة مع صديقتها أو زميلتها أو جارتها عن ترجمة، ودعتها إلى الانضمام إلينا.“

نمو في الفرص ونطاق الاندماج

رغم النجاح الباهر الذي حققته “ترجمة”، إلا أن اتباعها للنهج التقليدي للمؤسسات الذي يعتمد على الموظفين بدوام كامل تسبب في غيابها عن سوق مختلف؛ سوق للخدمات اللغوية يعتمد في العرض والطلب على مقدمي الخدمات.

ولذلك، تم إطلاق منصة “Ureed” في عام 2017 بغرض إتاحة فرص النمو لنوع جديد من المواهب وإضافة مستوى آخر من التمكين والكشف عن الفرص غير المستغلة.

كما قدمت “ترجمة” و”Ureed” يد العون لتدريب أكثر من 300 سيدة على إجادة فن الترجمة ومنحتهن تذكرة لدخول هذا العالم، والتي تُعد بادرة جديدة تُضاف إلى جهودهما في دعم النساء الموهوبات من خلال توفير فرص للعمل وكسب المال بسهولة ومرونة.

القوى العاملة

وبعد عقد كامل من الجهود الحثيثة الرامية إلى تعزيز التنوع وإدماج المرأة في قوة العمل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تفخر “ترجمة” أن 70% من العاملين لديها حاليًا في أكثر من 20 دولة حول العالم، هم من النساء. ويضاف إلى ذلك 18,000 من الموظفين المستقلين، 60% منهم من النساء، ممن أسفر عملهم الدؤوب عن ترجمة 500 مليون كلمة استُخدمت لتمهيد الطريق للتواصل الثقافي الشامل بين الشعوب.

الانطلاقة!

تقول نور إن ”قيمة سوق الترجمة في المنطقة تبلغ حوالي 2.2 مليار دولار أمريكي، وأعمالنا تشكل 2% تقريبًا منها“. وتضيف ”يتضاعف حجم أعمال [Ureed]، إذ صُممت المنصة بشكل يسمح لها بالنمو. وبالفعل، تمكنا من استقطاب 100,000 موظف مستقل بسهولة، مع وجود إمكانية لزيادة العدد“.

نور الحسن، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة “ترجمة” ومنصة “Ureed” أثناء لقاء صحفي في مكتب دبي

ومع وجود العديد من اللغات والمجتمعات التي يمكن الربط بينها، والمزيد من النساء اللاتي تحتجن إلى التمكين، تواصل “ترجمة” و”Ureed” تنفيذ رسالتهما لإعادة تشكيل القوة العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واسترجاع كل ما ضاع في الترجمة فيما مضى.

مقالات مشابهة

apps for translators

8 تطبيقات هاتفية لتسهيل حياة المترجمين

عملية الترجمة عملية قديمة قدم تاريخ البشرية. كان لها دور حاسم في التواصل بين الثقافات واللغات المختلفة، لا سيما في المعاملات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

ما هي الترجمة الآلية؟

بين الترجمة الآلية والترجمة البشرية

كانت الترجمة دائمًا وسيلة التواصل بين الشعوب والقلب النابض لنقل الحضارات. واليوم، أصبحت أكثر أهمية خصوصًا في ظل ما يشهده عالمنا من تقدم تكنولوجي وانفتاح