قد تكون الخطوة المنطقية التالية لأي صاحب عمل يحقق النجاح المطلوب التفكير بالتوسّع. وعادة ما تلجأ الشركات الناجحة إلى التوسّع بعد الوصول إلى مرحلة من النمو تبدأ فيها بالبحث عن مزيد من الفرص لتوليد مزيد من الأرباح. إلا أن كلمة “توسّع” تأتي بأشكال عدة؛ فقد تنطوي هذه الكلمة على شراء أصول جديدة أو تعيين المزيد من الموظفين أو زيادة الإعلانات وإطلاق المزيد من الحملات التسويقية أو توفير تشكيلة أكبر من المنتجات والخدمات أو دخول أسواق جديدة في مناطق غير مكتشفة. يواجه صنّاع القرار العديد من التحديات والمخاطر المترتبة على التوسّع وإنشاء فروع ومواقع جديدة؛ وبالرغم من ذلك فإن مجرد دخول سوق جديدة ينطوي على إمكانات لا حصر لها وجاهزة للاستغلال. ومن أبرز عوامل النجاح لهذا التوسّع الخارجي هو اختيار وجهة عملائك الجدد بناء على أسس مدروسة. وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الوجهات المثالية لمثل هذا التوسع والتي تزخر بكم هائل من الفرص غير المستغلة.
فيما يلي خمسة أسباب تجعل من السوق العربية وجهتك المثالية للتوسّع:
- سوق التجارة الإلكترونية سريعة النمو:
تعد السوق العربية واحدة من أسرع أسواق التجارة الإلكترونية نموًا في المنطقة؛ فنحو 90% من المشتريات الإلكترونية في الشرق الأوسط يتم شحنها من الخارج. ونتيجة للطلب المستمر على تسوق المنتجات إلكترونيًا من قبل المستهلكين في هذه المنطقة، شهدت التجارة الإلكترونية نموًا كبيرًا في الآونة الأخيرة. وبحسب استبيان، فقد نمت التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الثلاث سنوات الأخيرة بسرعة أكبر من أي مكان آخر في العالم؛ حيث تشير التقديرات إلى وصول عدد المستهلكين المتجهين إلى التسوق الإلكتروني خلال ذروة الجائحة إلى 209 ملايين مستهلك. واليوم، ومع انتهاء إجراءات الإغلاق المرتبطة بالجائحة، لا تزال أعداد المتسوقين الإلكترونيين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في زيادة مستمرة. وبالعودة إلى الاستبيان، فقد قال 91% من المشاركين إنهم يتسوقون عبر الإنترنت بشكل منتظم. علاوة على ذلك، فقد شهدت الدول العربية زيادة ملحوظة في الاختراق الرقمي ما أدى إلى زيادة في معدلات الإنفاق وبالتالي نموًا اقتصاديًا هائلًا.
- الاستثمارات
على الرغم من توافر الموارد الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ إلا أن الأمر لا يتوقف هنا، حيث تحتضن العديد من الدول العربية عددًا من مراكز ريادة الأعمال العالمية، ومثال ذلك المملكة العربية السعودية وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة. ومنذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2005، بدأت المملكة العربية السعودية بتجسيد مثال يُحتذى به في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لغايات توسع العلامات التجارية العالمية والشركات الناشئة الجديدة. وفي توقعات أخرى نشرتها قائمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتميزة، من المتوقع أن تستضيف اقتصادات الشرق الأوسط الرئيسية أقوى زخم من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2023؛ إذ تتصدّر قائمة العشر دول قطر تليها المغرب، بالإضافة إلى أربع دول شرق أوسطية أخرى تم ذكرها في القائمة نفسها وهي عُمان والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة. وحتى في أوقات الأزمات، لم يشهد قطاع الاستثمارات في الشرق الأوسط أي تباطؤ يُذكر؛ بل على العكس، استمرت مسيرة الازدهار والنمو. فعلى سبيل المثال، وفي الوقت الذي كان العالم فيه يعاني من أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، نجحت قطر بتعزيز دورها كأكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المُسال على مستوى العالم. كما عقدت شراكات مع العديد من الشركات منها Shell وExxonMobil وConoco Philips و Eni and Total Energies لغايات تنفيذ مشروع توسيع الحقل الشمالي. وعلى الصعيد المستقبلي، تستعد السوق العربية لترسيخ مكانتها كمركز عالمي لتقنيات الجيل القادم مثل البلوك تشين والذكاء الاصطناعي وتقنيات الجيل الخامس. لنأخذ الإمارات العربية المتحدة كمثال، حيث نجحت فعلًا بوضع بصمتها كواحدة من أبرز الوجهات الداعمة لقطاع التكنولوجيا المالية، لا سيما بعد إعلان حكومتها عن استراتيجية البلوك تشين الخاصة بها، ومن ثم تأسيس مجلس البلوك تشين. وبالفعل، فقد اتخذت وزارة الموارد البشرية والتوطين مجموعة من الإجراءات والمبادرات لاعتماد تكنولوجيا البلوك تشين في الدوائر الحكومية وللتطبيقات الإدارية.
- العوامل الديمغرافية:
تنعم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة كبيرة من الشباب بين سكانها؛ فبحسب الإحصاءات، يُشكل الشباب (من هم دون سن 30) أكثر من نصف عدد السكان (55%) في المنطقة. ونتيجة لإطلاق العنان لهذه الإمكانات الشبابية الواعدة، تزخر المنطقة بكفاءات عالية من حاملي الشهادات الجامعية والمهنيين الشباب الباحثين عن فرص توظيف أفضل. ويمكن لأنشطة التوسع الأجنبية الاستفادة بشكل كبير من هذه المجموعة المتنوعة من الكفاءات الشبابية. ولا تقتصر أهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على كونها وجهة أعمال مميزة للشركات فقط؛ بل هي الخيار الأول للمغتربين القادمين من الدول النامية بحثًا عن فرص عمل أفضل تُحسن مستوى معيشتهم. ونتيجة لهذا المزيج الفريد بين القوى العاملة من الكفاءات العربية الشابة والكفاءات الأجنبية الماهرة، توفر المنطقة مناخًا استثنائيًا لعمليات التوظيف الفوري في حالات التوسّع. علاوة على ذلك، يحقق هذا المزيج بيئة تنافسية صحية بين الشركات التي تنوي التوسّع والمرشحين، مما يعزز بيئة مثالية للشركات المستقرة من جهة والشركات الناشئة من جهة أخرى.
- الطلب التكنولوجي
نظرًا لارتفاع نسب الشباب والبراعة التكنولوجية فيها، تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من أكثر الأسواق جاذبية لتطوير المشاريع القائمة على التكنولوجيا. وبحسب التنبؤات، قد تكون هذه المنطقة الملاذ الآمن لعمالقة التكنولوجيا الجدد المهتمين بتقديم حلول مبتكرة للعالم العربي بما يلبي حاجتها المستمرة والطلب المتزايد على تقنيات جديدة. يوصف سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأنهم مستهلكون متعطشون للإعلام الرقمي؛ حيث يصل معدل استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي إلى 3,5 ساعة يوميًا. وتضع هذه الإحصاءات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خارج إطار المنافسة مع أي منطقة أخرى في العالم. ونتيجة لهذه العوامل، تحول سكان المنطقة إلى قوة إنفاق عالية للتقنيات التي يستعدون لاستخدامها في جميع جوانب حياتهم.
- الشراكة بين القطاع الحكومي والخاص
تتعامل الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع رواد الأعمال والتوسّع الأجنبي بعقلية إيجابية ومتفتحة. فقد أصبحت الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال مركزًا لريادة الأعمال في المنطقة بفضل الدعم الحكومي والسياسات الداعمة والمساندة للاستثمار الأجنبي المباشر. كما قطعت أشواطًا طويلة في تطوير الإجراءات السهلة لإصدار التأشيرات لرجال الأعمال والموظفين ذوي الكفاءات العالية على حد سواء.
تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرحلة محورية من تاريخها؛ إذ تنعم بمزيج قوي من العناصر الداعمة للتوسع الاقتصادي سريع الوتيرة. كما تنعم بواحد من أعلى معدلات العوائد الديمغرافية ومعدل عال في مجال تبني التكنولوجيا وارتفاع ملحوظ في الاستثمارات العامة وغيرها الكثير من الخصائص التي قد تساعد في الوصول إلى مستويات استثنائية حقًا من النمو والازدهار الاقتصادي.