كانت الترجمة دائمًا وسيلة التواصل بين الشعوب والقلب النابض لنقل الحضارات. واليوم، أصبحت أكثر أهمية خصوصًا في ظل ما يشهده عالمنا من تقدم تكنولوجي وانفتاح غيّر طريقتنا في أداء أعمالنا. إذ لم تعد الشركات تكتفي بنشر منتجاتها في منطقة معينة أو سوق محددة، بل صارت تسعى إلى الدخول في أسواق جديدة والانتشار عالميًا، لا سيما أن كل ما يحتاجه المستهلك اليوم للحصول على المنتجات والخدمات التي يرغب بها فقط هو حاسوب أو هاتف ذكي واتصال بالإنترنت. ولذلك وجدت الشركات نفسها بحاجة أكثر إلى التواصل مع المستهلك بلغته وتوطين منتجاتها وخدماتها بحيث تكون سباقة بالاستحواذ على اهتمامه وانتباهه.
تعي الشركات أن الوصول إلى أكبر شريحة من المستهلكين عالميًا يتطلب منها ترجمة محتواها؛ كترجمة موقعها الإلكتروني مثلاً إلى لغات عديدة، أو تعديل منتجاتها بما يتناسب مع السياق المحلي والثقافي والحياتي في كل سوق تود الانتشار فيه. والترجمة هنا ليست أي ترجمة عادية، بل عليها توطين الترجمة لتخاطب المستهلك بلغة يفهمها حق الفهم، ويتقبل المحتوى المترجم بما يلبي احتياجاته.
وفي ظل بحثها عن الحل، تجد الشركات نفسها أمام تساؤلات عديدة: هل تبحث عن مترجمين بشر؟ أم تلجأ إلى الترجمة الآلية؟ أم تجمع بين الاثنين معًا؟
سنحاول هنا أن نوضح ما هي الترجمة الآلية، وما الفرق بينها وبين الترجمة البشرية، وما أثرها على مهنة الترجمة، وهل يمكنها أن تكون حلاً مناسبًا للترجمة إلى اللغة العربية.
ما هي الترجمة الآلية؟
دعونا نبدأ أولاً بتعريف الترجمة الآلية (Machine Translation).
الترجمة الآلية هي مصطلح يدل باختصار على ترجمة فورية لنص من اللغة المصدر إلى اللغة المستهدفة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. وقد شهد العالم في الأعوام الأخيرة مزيدًا من الإقبال على الترجمة الآلية، لا سيما أننا أصبحنا نراها أكثر دقة نتيجة استخدام هذه التقنيات وتطويرها.
لماذا نحتاج إلى الترجمة الآلية؟
يمكننا اختصار مزايا الترجمة الآلية إلى توفير التكلفة والجهد والوقت. فالترجمة الآلية تمكننا من ترجمة النص بشكل فوري، وهو ما نحتاجه في كثير من الأحيان لفهم المحتوى بشكل سريع. وإذا نظرنا إليها من زاوية أوسع يمكننا استخدامها في المشاريع التي يكون فيها الوقت هو العامل الأهم، فالسرعة التي تقدمها لنا الترجمة الآلية تمكننا من فهم وثيقة معينة بلغة أخرى بغضون دقائق وربما ثوانٍ فقط. ومع أن المترجم المحترف سيقدم لك جودة أعلى بلا شك، ولكن أحيانًا تكون الترجمة الآلية كافية لما نريده من الترجمة، وبالتالي فإنها ستوفر علينا الوقت.
الوقت والجهد ينعكس دائمًا على التكلفة. ولأننا نعلم أن الوقت من ذهب أو ربما هو الذهب في أيامنا هذه، تعدّ الترجمة الآلية مجدية من حيث التكلفة، فهي تسمح لنا بترجمة محتوى أكثر ضمن ميزانية محددة للمشروع. ببساطة، كلما كان الوقت أقل في إنجاز المحتوى المترجم، أصبح لديك وقت إضافي لإنجاز مهام أخرى.
وهنالك أهمية أخرى تتمثل في الاستفادة من الترجمة الآلية في توفير الجهد، أي ترك المترجمين المحترفين يكرسون مهاراتهم اللغوية من أجل فهم النصوص المعقدة التي تحتاج إلى المهارة البشرية مثل النصوص ذات الطابع الثقافي والوجداني، فبالرغم من كل التطور الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن الآلة لا تستطيع التمييز بين النكتة والسباب في نص ذو خلفية ثقافية معينة!
كيف تتأثر مهنة المترجم بتطور الترجمة الآلية؟
يرى البعض أن التطورات الهائلة في مجال الترجمة الآلية باتت تهدد مهنة المترجم بحيث يتوقع أن يتم الاستغناء عن خدمات العديد من المترجمين أو تقليصها، وأن تحل الترجمة الآلية محل المترجمين، مما يوفر المال والجهد خاصة على الشركات متعددة الجنسيات التي تعد بأمس الحاجة للترجمة وترصد ميزانيات كبيرة للترجمة. ولكن مهنة الترجمة هي بلا شك كغيرها من المهن الأخرى التي وظفت التكنولوجيا لخدمتها، وبالتالي فإن السؤال الأهم الذي يجب أن يسأله المترجم لنفسه هو: ما هي المهارات التي يجب أن أمتلكها اليوم لمواكبة التطورات التي تشهدها مهنتي؟
كيف يمكن للمترجم الاستفادة من الترجمة الآلية؟
توجد طرق عدة للاستفادة من الترجمة الآلية في تقديم نصوص تجمع بين ميزات الترجمة الآلية وميزات الترجمة البشرية من أهمها:
الترجمة الآلية ثم التحرير
وتتم عبر إدخال النص المترجم آليًا إلى منصات وبرامج الترجمة بمساعدة الحاسوب (CAT Tools)، ومن ثم مراجعته وتحريره من قبل مترجمين محترفين للتأكد من صحته ودقته وملاءمته للسياق الثقافي والمحلي والمعرفي للنص المترجم.
التحرير ثم الترجمة الآلية
هنا يكون الأمر بالعكس، أي يتم تعديل النص المراد ترجمته وإنشاء لغة يستطيع فهمها الحاسوب حتى يتمكن من ترجمتها وتسمى هذه اللغة “اللغة المقبولة للآلة” (Machine Acceptable Language).
الترجمة الآلية التحاورية (Interactive):
وهنا يتم التعاون بين الآلة والمترجم البشري، وهي عبارة عن برامج حاسوبية تحاول التنبؤ بالنص المترجم بعد الأخذ في الاعتبار جميع المعلومات المتاحة. وعندما يكون التنبؤ خاطئ، يقدم المترجم ملاحظاته على النص ليعمل البرنامج على تنبؤ نص جديد بناءً على المعلومات الجديدة التي زوده بها المترجم. وتتكرر هذه العملية حتى تطابق الترجمة المقدمة توقعات المترجم. ولكن المشكلة هنا تكمن في ضرورة وجود المترجم أمام جهاز الحاسوب حتى يتأكد من صحة الترجمة وسلامتها.
كيف يمكن الاستفادة من الترجمة الآلية في المحتوى العربي؟
يمكن الاستفادة من الترجمة الآلية في خدمة المحتوى العربي المتوفر إلكترونيًا، فنحن اليوم في أمس الحاجة لزيادة المحتوى العربي على الإنترنت، ولا شك أن الترجمة الآلية جنبًا إلى جنب مع الترجمة البشرية ستمكننا من زيادة المحتوى في مختلف العلوم وشتى المجالات.
ولكن الأمر بالنسبة للغة العربية محدود نوعًا ما نظرًا لقلة البرمجيات الآلية التي تقدم خدمة الترجمة الآلية على أنواعها من اللغة العربية إلى اللغة المستهدفة والعكس كذلك.
وبسبب قلة تلك البرامج التي تقدم خدمات الترجمة الآلية السليمة، برزت عدة مشاكل في الترجمة الآلية من اللغة العربية سواء إلى اللغة الانجليزية أو لأي لغة مستهدفة أخرى، وبالعكس.
اللغة العربية والترجمة الآلية: المشاكل والحلول
إن من أهم المشاكل التي قد تواجه الترجمة الآلية في اللغة العربية في يومنا هذا هي مشكلة غياب “التشكيل”، والتي رغم محاولات بعض البرامج لكتابة التشكيل، فإن أقصى درجة من الدقة قد تصل إليها تلك البرامج لا تتعدى 95% ويزيد الخطأ في تشكيل نهاية الكلمات مما يجعل القارئ يفترض تشكيلاً افتراضيًا بما يملكه من ثروة لغوية.
كما أن هنالك إشكالية أخرى تتمثل في أنظمة الترجمة المباشرة للنصوص مثل نظام غوغل الذي يعتمد على المقارنة النصية المباشرة للمفردات المدخلة إليه مما يؤدي الى ترجمات كارثية بالفعل .
ونأخذ هذه الترجمة لأحد قوائم الطعام في واحد من المطاعم الموجودة في احدى الدول العربية كمثال على أحد كوارث الترجمة الآلية المباشرة مع غياب التحرير البشري لها كما في الصورة التالية:
ففي النص العربي نجد أن كلمة “حمام” مع التشكيل الصحيح تعني نوع من أنواع الطيور، ولكن المترجم الآلي لا يفهم التشكيل الصحيح للمدخلة اللغوية وبالتالي قام بترجمتها حرفيا بمعنى “حمام ” مع وضع التشديد على حرف الميم وهي تعني Bathroom في اللغة المستهدفة.
ولإيجاد حلول لتلك المشاكل التي تواجه الترجمة الآلية في اللغة العربية، لابد من فهم طبيعة اللغة العربية التي تتميز بخاصية الإعراب، وهو الأمر الذي قد يزيد من صعوبة إيجاد نظام آلي متكامل يمكنه تنفيذ الترجمة من وإلى اللغة العربية بشكل دقيق.
لتحقيق ذلك، يجب عمل نظام يحمل مخزون هائل من المدخلات التي يمكن ترجمتها آليًا، كما يجب أن يتضمن معلومات واسعة عن تشمل جميع القواعد اللغوية ووضع نموذج لربط نموذجين دلالين مجردين أو معرفيين مما يضمن تركيبًا لغويًا ودلاليًا صحيحًا.
كما يجب محاولة عمل برامج للتشكيل الآلي للنصوص غير المشكلة حتى يتسنى للمترجم الآلي أو حتى البشري فهم النص بشكل أفضل، وبالتالي الحصول على ترجمة أكثر دقة.
وأخيرًا علينا ألا ننسى أن التواصل بين البشر يعتمد على عوامل أخرى غير اللغة مثل السياق الثقافي والمعرفي والوظيفي والمحلي، مما يجعل تدخل البشر لمراجعة النص المترجم آليًا أمرًا حتميًا لإصلاح أي خلل وتوضيح أي معلومة لا يتمكن المترجم الآلي من الوصول إليها، مما قد يجعل الترجمة الآلية تخدم المترجم البشري وتدعم عمله وليس العكس. وإن كنا ننظر إلى المهارات التي يحتاجها المترجم، سنجد أن هنا هو بيت القصيد. فالمترجم الذي يريد أن يستمر في هذه المهنة، عليها أن يطوّع مهارته وكفاءته ليجعل النص المترجم آليًا نصًا يحمل المعنى الحقيقي ويبقي مهنته القلب النابض للتواصل بين الحضارات والشعوب.
هل ترغب بتعزيز عملية الترجمة لديك؟ احجز عرض تجريبي الآن لتتعرّف على تقنيات الترجمة المتطورة التي نقدمها لتمكين الشركات من تقديم محتوى متعدد اللغات ذي جودة عالية وبسرعة وتكلفة تُلبي تطلّعاتك.